هواجس مسرحية ....بقلم مجد الرسام

هواجس مسرحية ...

في الأُمسيةِ المُخصصة لذكرى ما
أجلسُ بين جمهورِ الحاضرين
في ذلك المركز الثقافي
أعضاءُ اللجنةِ جلسوا أمامي على خشبةِ المسرح.
طاولةٌ ضيقةٌ وطويلة تقطعهم في الوسط
وفوقها ستةُ وجوهٍ مُرتبكة
وتحتها إثنا عشر حذاء مُرتبكا ً
يفتح المُفتتحُ قائلا ً:
(( أيها الحضور الكرام تصبحون على خير
نشكركم على مجيئكم )) 

ستةُ حمّالين يصعدون على خشبة المسرح
يقلبون الطاولة رأسا ً على عقب
وبحذرٍ يحزمونَ أعضاء اللجنة في داخلها
كل واحدٍ على كرسيه
( تابوتٌ جماعي )
وكان جمهور الحاضرين قد قفزوا  مسبقا ً
على أقدامهم مُندفعين نحو المخرج
نحو التوابيت التي تنتظرهم في الخارج
أنا أيضا ً أشقُ الطريق بالمرفقين
والقبضات
حتى لا يفوتني تابوتي.

تعلَّم أن تصبر .. تعلَّم الصبر
العبارة الوحيدة التي يسقونكَ منها
كلما حاولتَ أن تتقيأ همكَ عليهم
لم يكن للصبر وجود
وفي الأصل لم تكن القوى متعادلة
الشيطانُ سيدٌ أكبر
وأيوب مُجرد لحم ودم
على كل حال
كانت المسابقة غيرُ عادلة
فأيوب الذي خسر كل ثروته
وفقد بنيه وبناته
وأصيب بمرض خبيث
لم يكن حتى واعيا ً بأن الأمر كان مسابقة

ولأنهُ اشتكى أكثر مما يجب
أسكتهُ القاضي
وهكذا
بعد أن اعترف وصمت
أوقع هزيمة بخصمهِ من دُونَ أن يُدرك ذلك
عندئذ ٍ
إستعادَ ثروتهُ وصار له بنونٌ وبنات
وشُفي من حُزنهِ على أطفالهِ الأولين.

وبهذا الهذيان بك ِ
يؤلمني الجوع قليلا ً
أحنُ للمطبخ
شهوة ٌ مسلّحة
مائدة العمليات
مرونةٌ ملساء
نبشٌ في الأدراج الشخصية
تعقيم
لوحة دي-كيريكو ( قصيدة حبّ )
تلتصقُ بمسمارٍ إلى حائط بسيط مُجصّص
صورةُ امرأةٍ عارية
تحلمُ حلماً لا تفسيرَ له
وإلى جانبها رأسُ رجلٍ من جصّ
يتطلّعُ مذهولا ً في الفضاء
وكأنّهُ لا يعرف أنّ قاطرة ً سوداء
على مسافةٍ بعيدة
تتلّصصُ به
والدخانُ يتصاعدُ منها

إنها مدينتي
المدينة التي تقيّأتني
عندما كُنتُ في العاشرة من عمري
وفي اليوم ذاتهُ نسيتني
وكأنني ميّت
وأنا كذلك نسيتُها،
هكذا كلٌ منا كان مُطمئنا ً

بالأمس ، بعد خمسة وثلاثين سنة
أرسلت إليّ تذكارا ً
وكأنها امرأة ٌ مزعجة من أفراد العائلة
تُطالب بالمحبّة بفضل قرابة الدم
تلقّيتُ منها صورةً شمسية
( مشهدُ شتائها الأخير )

مركبةٌ مع هودج تنتظر في الساحة
الحصانُ يلتفت ويحدّق
متعاطفاً
بالرجل العجوز الذي يغلقُ بوّابة بعيدة.
هذه إذا ًجنازة.

جنازةٌ فاخرة
من كلّ جانب
في الريح الكبيرة
آلافُ القطع الثلجية
كلّ واحدةٍ منها كنجمةٍ في قالب ٍ بلّوري.

ما زالت لدي الرغبة ذاتها لإحراز التميّز معك ِ
ما زالت هناك الأوهام ذاتها بأني أنام على صدرك
فكلّ هذياني هذا تحت نجوم الشمس
يتلاشى
وتنصهرُ روحي ككتلةٍ ثلجية واحدة
وفي وسطها حفرتُ إسمك ِ  وقبري .

#مجد الرسام

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعني احبك كيفما اشاء بقلم ختام عمر

ليت أنفاس أيلول تدرك اني انتظرك. بقلم شبيلة مطر