هكذا عدت من الموت. .....بقلم المبدع حيدر غراس

هكذا عدت من الموت
...........................

هل جرب احدكم ان يتحدث مع ميت..؟
هذا ماكان يردده المهندس حسن في سره،
نعم انه متوفٍ من قبل ان يولد لكنه يشعر ان فيه بعض من اعراض الحياة الجانبية بعد تناول جرعة موت كبيرة..
                      ١

لم تكن مفردة االموت بهذه الفوبيا التي صورها لنا، وبهذة الضخامة الكبيرة وكأنها حوت عملاقة تبتلع كل الاسماك التي تسبح في البحر، وماهي الامفردة ذات وقع اعتيادي كوقع اي مفردة اخرى، فعل يومي متكرر كتناول وجبة ما او حمام يومي معتاد،وقد يكون بأسواء حالاته كوخزة ابرة
او شكة دبوس صغير،
هكذا كان المهندس حسن يخاطب نفسه ويهزاكعادتة بما حوله،و لو لابرودة الثلاجة التي ادخل فيها من ساعات قلية لراح يدخن وهو يتصفح هاتفة  ويحك لحيته منادياً
كل حين على زوجتة امل ان تأتي له بكوب الشاي..
الاجساد المرمية بجانبه كانت بأبعاد واحجام مختلفة بعضها شبه عاري والبعض  مازال الدم يتثلج على بقع منها،
وبعضها يشعرك بأنه نائم ويبتسم من حلم وردي مربهِ..
حاول رفع رأسة متلفتاً يميناً وشمال، مستطلعاً مايجري حوله، الصمت يسود المكان الا من اصوات دثيث الثلج الناعم
المتساقط على اجساد الجثث التي كانت بقايا روائحها منتشره في ارجاء الثلاجة.
راح يرفع جسده النحيل بعض الشيئ محاولا الوقوف فباغتة رجلان ببساطيل ابلاستيكيه ببيضاء مقتربان من جثته وجرجاه على سديه رمادية تأكلت حوافها،
حاول الحديث لكنه لم يقوى فأغمض عينية كأنه جثه هامدة مذ الاف السنين..
فسمع حوار هما
نعم  انه حسن سدخان حسن
المهندس الذي توفي قبل ساعات،
كانا يؤديان عملا الياً ببلاهة تامة
فحملاه على السدية بخفه بالغة وكأنهما يحملان طفل توا سقط من بطن امه.
الدكتورة ذات البنطال الجيننز الضيق تحشر جسدها فيه عنوة وتلتفع شال لايغطي شي من شعرها المصبوغ حديثا بلون رمادي يخاطة خصلات بلون القمح، كانت بأناقة واضحة تلتف على عنقها سلسله لهلال ذهبي تلامسها سماعة انيقة وبصدريتها البيضاء، كانت تحرر شهادة الوفاة بسرعة كبيرة للخلاص من صراخ وبكاء ممن كان المهندس حسن يرى دموعهم تتقافزبافتعال كبير، يعتمرون وجوه تبدو عليها الدهشة والحيرة والبلاههه بين ذهول الامر وبين الخلاص من هذه المراسيم المعقدة..
                     ٢
الرائحة المحببه التي تناشقت انف المهندس حسن كانت تعبق بالصندوق الخشبي المستطيل الذي كان يتوسطه ويمد ساقيه بأطولهما كما كان معتاد ان ينام ولولا رجرجة حفر الشارع المتعددة لراح يغفو مرة اخرى،
كان يسمع اصوات ابواق السيارات وزعيق المارة ومايجري خلف الصندوق وكأنه يراه بعينه حتي انه شعراً كثيرا بمن يرفعون ايديهم مودعين الصندوق الخشبي الذي شد بأحكام على سطح سيارة الاجرة التي كانت
تقله الى مكان هو يدرك وجهتة فقد مر فيه كثيراً لتغسيل ممن فقدهم سابقاً.
الدكة الباردة والمنزلقة بأنحدار ملحوظ نحو مجرى الماء كان المهندس حسن يشعر بقشعريرة تسري في مسامه وسامعاً لغط ممن كانوا يطوفون حول جثته، ويتعالى صراخ ونحيب وبفترات متباعدة بعض الشيئ، تمت مراحل التغسيل بأليتها المعهودة وبتمتمات ممن تكفل الامر، مؤ دياً دوره باحترافية كبرى من فرط ما مر بت الجثث التي تناوب تباعاً على تغسيلها وتحنيطها وتكفينها بهذا الثوب الابيض المعهود ،
تلك المشاعر المختلطة بين الدهشة والغرابة وحتى السخرية لم تمنع المهندس حسن بأتمام ماكان يمضي به متغافل كل الاحاديث والأصوات التي تخترق مسامعة
وهو مسجى على دكة المغتسل وملفوفاً بهذا القماش الابيض، ومحنطا بحنوط الاموات،
اصوات وصراخ وعويل المتواجدون قرب دكة المغتسل وباحته كانت تأتي بنشيج تارة وتارة اخرى مخنوقة بعبرات، وقد لاحظ من جاء ليلقي نظرة اخيرة على محياة ولمح بعض العيون التي جائت وكأنها تطلب العفو او السماح وبراءة الذمة هكذا كان يظن ويشعر،
لكنه لم ينثي ولم يتزعزع فيه شي ماضيا بما بدأ فيه ومستسلما بأنصياع غريب،
أخذاً من الموت لعبة ما من خلالها يطل على الاخرين ومجريات الامور وببرودة لم يعهدها من قبل، مكررقوله ان الموت دعابه صغيرة لايجب الوقوف عندها كثيراً، وكوحزة دبوس صغير..
               ٣
التداعيات والاختلاجات التي تنتاب المهندس حسن لم تكن بتلك الشدة المعهودة من عظم ألامر، الان اطياف ووجوه ممن سيدرك وقع الامر عليهم كان اكثر حضوراً في مخليته، وحيث كان يموج بهذه التصورات سمع هناك من يكبر ويهلل و هو محمولاً علي اكتاف اربعة قاداه يرافقهم بكاء ممن كانواهناك قرب مخرج المغتسل
ليجد نفسه في مكان يشعر بمهابته وقدسيته مع دعوه بصوت ما لتساوي الصفوف وأداء صلوات التكابير الخمس.
                       ٤
كان يشعر المهندس حسن ان العالم هو المسافة بين باب الجامع وباب البيت الذي
أخذ اليه محشورا في الصندوق الخشبي المستطيل ومحمولا على اكتاف عدة وتنتاوشة اكف البعض، كان يشعر بوقع الاقدام والطريق السالكة حيث عتبه باب داره سامعا صراخ وعويل النسوة التي كانت
توحشت بسواداتهامولولة  ونادبه ومذعورة ويعلو وجوهها الدهشة،
حشر الصندق المستطيل الذي كان يحوي جسد حسن وبقماشة الابيض  حشر في باحة الدار، تجمهرت النسوة من خلف الصندوق تضرب اخشابه الاكف وتنوح وعويل، سامعا نشيج زوجته امل فهو لايخطى بكأوها كلما مر بها وقع اليم..
الترانيم المشجية التي كانت تصدر بصوت مبحوح لم تخطئها مسامع المهندس حسن
فقد اخترقت مسامعه سابقاً يوم وداع ابيه الاخير، انها ترانيم امه التي اعتاد على نشيجها ولو كانت بأشد لحضات الفرح،
كل هذا وذاك وصراخ وعويل النسوة الناكشات الشعور لم يثني المهندس حسن بان يمضي مابدأبه..
لكن من هذه ياترى التي تتعثر بخطوات صغيرة ومرتبكة تقترب نحو الصندوق المستطيل رامية كل ثقل جسدها الصغير فوقة كأنها بحالة من المس والذهول والارتجاف تقبل الاخشاب وتنشج بلغة لم يقوى عليها قلب المهندس حسن ففز معانقا
بنته الصغيرة بين ذهول وصدمة الجميع..
.
.
.
. حيدر غراس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعني احبك كيفما اشاء بقلم ختام عمر

ليت أنفاس أيلول تدرك اني انتظرك. بقلم شبيلة مطر