خيانة العشرة /// هبة حامد
( خيانة العشرة )
و توافدت جموع من البشر إلى قاعة العزاء،ونحيب تتعالى صيحاته وتتوالى على الاسماع،وآيات من الذكر الحكيم تجبر الجميع على الاستماع،وهناك في زاوية ضيقة،سيدة متشحة السواد،وقد تجاوزت الستين بقليل،جميلة الملامح،وإن كانت تجاعيد العمر تشق وجهها،وملامح الحسرة قد احتلت مساحة واسعة فيه،وعيون جافة لا دموع فيها ،بل علامات استنكار تطل منهما.
انحنت إحدى السيدات تواسيها قائلة:"البقية في حياتك ياحاجة،الله يرحمه الحاج،كان غالي علينا كلنا ".
أومأت برأسها في سخرية وهي تمتم "غالي،فقد كان يوما غالي،عشرة عمر طويلة،قاربت على الخمسين عاما،كان لي الزوج والحبيب والرفيق،رحلة بدأتها معه وأنا صغيرة لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري،سبيل طويل جاهدت معه من أجل تحقيق النصر في بناء أسرة سعيدة،سحابات أفراح وأحزان مرت علينا وكنت له نعم السند والونيس،سلسلة تنازلات مارستها بحق نفسي،من أجل الحفاظ على هذا الصرح الذي أفنيت فيه عمرا وصحة وفكرا".
فرغ الشيخ من تلاوة الربع الأول من القرآن ،وسارعت النساء لمواساتها،ونظرت حولها ،فوجدت ثروتها،بناتها وزوجات أبنائها وأحفادها وهم يربتون على كتفها،
عادت بها الذاكرة إلى ذلك اليوم،الذي ترك فيه البيت،وركل كل الانتصارات التي تحققت خلال رحلتهما في الحياة،وذهب ليتزوج باخرى اربعينية،رجل مسن قارب على عامه السبعين،قرر فجأة إنه لم يكن سعيدا بحياته،وإنه تحمل فقط من أجل إنهاء المسئوليات الالزامية،وإنه قد آن الأوان ليهنأ بسعادة حتى وإن كانت قصيرة الأجل.
آهكذا بكل بساطة،تلقى بكل الاعتبارات في الوحل،غير مهتم بمصير رفيقة دربك التى ضحت بكل سبل راحتها من اجلك.
بدأ الشيخ في استكمال تلاوته،وساد صمت الحاضرين ،إلا ضجيج أفكارها،الذي لم يصمت أبدا،واخذت تهمس لنفسها :"آهكذا يارفيق دربي،لملمت حقائب ذكرياتنا،و غرست الصبار في حقولي لأحصده مرا علقما،ماالذي ارتكبته حتى اقضي سنوات عمري الأخيرة بدونك،وأنا التي اعتدت أن أكحل عيناي برؤيتك كل صباح،ان نتجاذب أطراف الأحاديث يوميا،بين مزاج وجد،ألم تكن لي طفلي المدلل الذي أخشى على غضبه! ألم تكن لي بئر اسراري ومستمع لحكاياتي،تتزوج فجأة ولا تراعي في شرعا ولا دينا،تتركني أقاوم تيارات الحياة لولا أبنائي ،لمت كمدا في صحارى الغربة."
أطلقت تنهيدة قوية بطعم الوجع،حتى كادت تشق ضلوعها،واخذت تهمس لنفسها
:" تتزوج وتتركني بدون أي سبب مقنع،سوى أن الملل قد طرح بثوبه على قلبك،وإن حماسة الشباب قد دبت فجأة باوصالك،هل توهمت حقا أن سراب
الصحة قد أنبت الزهر في أرضك القاحلة".
وها هي الشهور القليلة تثبت لك فداحة خطئك،فاصابتك لعنة الامراض منذ أن لازمت عروسك،وفي ليلة باردة ألقت بك امام باب دارنا لتبلغنا بكل وقاحة إنها لم تعد بحاجة إلى ركام رجل،فيكفيها مانالته من أموال.
و تسارع الأطباء لإنقاذك،ولكن الوجع النفسي كان أشد فتكا بك من المرض الجسدي.
"سامحيني يا رفيقة الدرب،أعلم باني نزعت البهجة من فؤادك، وادميت روحك
بخيانة لن تغتفر،ولكنه الشيطان قد زين لي سبيل المر عسلا خالصا ولم أدرك انه
سما سرى في عروقي،سامحيني واغفر لي" وكانت تلك هي كلماته الأخيرة.
انهى الشيخ تلاوة الربع الاخير ،واذا بشهقات دموع تنفجر من مقلتيها،ويزداد
صراخها " لن اسامحك يامن كنت يوما شمسا تزين حياتي وقمرا يبدد ظلامي،لن اسامحك ما حييت،فجرحي لن تداويه الايام أبدا ". وخرجت تولول كالمجنونة لولا ان احتضنها أحد أبنائها،وبث الطمأنينة في اوصالها،ولكنها لن تهدأ ولن تغفر أبدا.
#هبةحامد#
و توافدت جموع من البشر إلى قاعة العزاء،ونحيب تتعالى صيحاته وتتوالى على الاسماع،وآيات من الذكر الحكيم تجبر الجميع على الاستماع،وهناك في زاوية ضيقة،سيدة متشحة السواد،وقد تجاوزت الستين بقليل،جميلة الملامح،وإن كانت تجاعيد العمر تشق وجهها،وملامح الحسرة قد احتلت مساحة واسعة فيه،وعيون جافة لا دموع فيها ،بل علامات استنكار تطل منهما.
انحنت إحدى السيدات تواسيها قائلة:"البقية في حياتك ياحاجة،الله يرحمه الحاج،كان غالي علينا كلنا ".
أومأت برأسها في سخرية وهي تمتم "غالي،فقد كان يوما غالي،عشرة عمر طويلة،قاربت على الخمسين عاما،كان لي الزوج والحبيب والرفيق،رحلة بدأتها معه وأنا صغيرة لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري،سبيل طويل جاهدت معه من أجل تحقيق النصر في بناء أسرة سعيدة،سحابات أفراح وأحزان مرت علينا وكنت له نعم السند والونيس،سلسلة تنازلات مارستها بحق نفسي،من أجل الحفاظ على هذا الصرح الذي أفنيت فيه عمرا وصحة وفكرا".
فرغ الشيخ من تلاوة الربع الأول من القرآن ،وسارعت النساء لمواساتها،ونظرت حولها ،فوجدت ثروتها،بناتها وزوجات أبنائها وأحفادها وهم يربتون على كتفها،
عادت بها الذاكرة إلى ذلك اليوم،الذي ترك فيه البيت،وركل كل الانتصارات التي تحققت خلال رحلتهما في الحياة،وذهب ليتزوج باخرى اربعينية،رجل مسن قارب على عامه السبعين،قرر فجأة إنه لم يكن سعيدا بحياته،وإنه تحمل فقط من أجل إنهاء المسئوليات الالزامية،وإنه قد آن الأوان ليهنأ بسعادة حتى وإن كانت قصيرة الأجل.
آهكذا بكل بساطة،تلقى بكل الاعتبارات في الوحل،غير مهتم بمصير رفيقة دربك التى ضحت بكل سبل راحتها من اجلك.
بدأ الشيخ في استكمال تلاوته،وساد صمت الحاضرين ،إلا ضجيج أفكارها،الذي لم يصمت أبدا،واخذت تهمس لنفسها :"آهكذا يارفيق دربي،لملمت حقائب ذكرياتنا،و غرست الصبار في حقولي لأحصده مرا علقما،ماالذي ارتكبته حتى اقضي سنوات عمري الأخيرة بدونك،وأنا التي اعتدت أن أكحل عيناي برؤيتك كل صباح،ان نتجاذب أطراف الأحاديث يوميا،بين مزاج وجد،ألم تكن لي طفلي المدلل الذي أخشى على غضبه! ألم تكن لي بئر اسراري ومستمع لحكاياتي،تتزوج فجأة ولا تراعي في شرعا ولا دينا،تتركني أقاوم تيارات الحياة لولا أبنائي ،لمت كمدا في صحارى الغربة."
أطلقت تنهيدة قوية بطعم الوجع،حتى كادت تشق ضلوعها،واخذت تهمس لنفسها
:" تتزوج وتتركني بدون أي سبب مقنع،سوى أن الملل قد طرح بثوبه على قلبك،وإن حماسة الشباب قد دبت فجأة باوصالك،هل توهمت حقا أن سراب
الصحة قد أنبت الزهر في أرضك القاحلة".
وها هي الشهور القليلة تثبت لك فداحة خطئك،فاصابتك لعنة الامراض منذ أن لازمت عروسك،وفي ليلة باردة ألقت بك امام باب دارنا لتبلغنا بكل وقاحة إنها لم تعد بحاجة إلى ركام رجل،فيكفيها مانالته من أموال.
و تسارع الأطباء لإنقاذك،ولكن الوجع النفسي كان أشد فتكا بك من المرض الجسدي.
"سامحيني يا رفيقة الدرب،أعلم باني نزعت البهجة من فؤادك، وادميت روحك
بخيانة لن تغتفر،ولكنه الشيطان قد زين لي سبيل المر عسلا خالصا ولم أدرك انه
سما سرى في عروقي،سامحيني واغفر لي" وكانت تلك هي كلماته الأخيرة.
انهى الشيخ تلاوة الربع الاخير ،واذا بشهقات دموع تنفجر من مقلتيها،ويزداد
صراخها " لن اسامحك يامن كنت يوما شمسا تزين حياتي وقمرا يبدد ظلامي،لن اسامحك ما حييت،فجرحي لن تداويه الايام أبدا ". وخرجت تولول كالمجنونة لولا ان احتضنها أحد أبنائها،وبث الطمأنينة في اوصالها،ولكنها لن تهدأ ولن تغفر أبدا.
#هبةحامد#
تعليقات
إرسال تعليق