القصة القصيرة /// وليد العايش

- مذكرات ثائرة - ١٣ -


--------------
الفرحة تعانق الأفق الموشى بلون زهري جميل، كان طائر السنونو يودع اخر خيوط المساء، أما سرب الحمام فقد عاد من رحلته مفعما بشيء من السعادة.
مازالت قطرة الدم تبلسم نفسها، وعامر لا يأبه للوجع المنبعث من رحمها، فقط لمسة يد ثراء تغني لحنا في ذاكرته الغضة، عاود لمس الجرح وهو يتخيل تلك اللحظة التي عبقت برائحة الثرى وثراء .
ويمضي الليل بعنفوانه بلا رجعة، فاسحا الدرب ليوم قادم يحمل حقائب سفره التي رافقته في تلك الليلة .
( لن تغب ثراء اليوم ) قال عامر لنفسه بصوت مرتفع، لم ينتبه لأخيه سامر وهو ينظر اليه من النافذة الخشبية .
- لن تغب ... هههه ... لا تخشى ذلك ياعامر ...
- يالك من لص ... لماذا تراقبني ...
انتهى الحديث بينهما على عجل، فكل واحد تجهز للمغادرة .
كانت عجلات الدراجة الجديدة تسابق روحها، بينما نسمات الصباح تتنفس شهيقها الذي طالما انتظرته، ركن دراجته بجوار الحائط واتجه الى الباحة، سرب الحمام هذه المرة كان مختلفا، فقد تلون بالانوثة والاصوات الرخيمة التي تشبه هديل الحمام .
ثراء تنزوي خارج السرب، وعامر يجول ببصره في شتى الاتجاهات، وأخيرا يقع بصره على حمامته الصغيرة، لم ترضخ قدماه لأوامره، فهبت جريا نحو الزاوية التي لم تصلها الشمس حتى تلك اللحظة .
الابتسامة تنتظر على قارعة حرى، اللهاث كان يرتكب حماقته، خرير ساقية يلج الى ذاك المكان .
- كيف أصبحت ياعامر  ...
- تمام ... تمام ... أفضل بكثير ...
- دعني أرى الجرح
تقهقر عامر قليلا لكنه لم يستطع أن يرفض طلب ثراء، كشف عن ساقه الحنطية والخجل يعتلي صهوة المجد .
- انظري ... الحمد لله ... أصبح الجرح صغيرا ...
انحنت اليه دون أن تدري ما تفعل، لمست ساقه والجرح معا، حرارة مرتفعة تنبعث فجأة، أحس بدوار غريب يحط الرحال، مسحت ثراء بيدها الناعمة أكثر مما يجب على جرحه، وعلى ساقه، دون أن يتعثر هذه المرة مس شعرها بكلتا يديه، اختصر مسافة طويلة تفصل بينهما في لحظة واحدة، هبت واقفة، هل أصابها الذعر !!! .
ربما لم تكن تتوقع أي شيء يشبه ما حدث، رمقته بنظرة جمعت فيها أنوثتها وغضبها .
- ماذا فعلت ياعامر ...
- اسف ... اسف ... لست أدري ماذا فعلت ...
حملت حقيبتها ومضت مسرعة الى زميلاتها دون أن تلتفت خلفها .
- ثراء ... ثراء ... اااااااسف
ضرب قدمه بالأرض فانبجس الدم من جديد، لكنه هذه المرة امتزج بدمعة سقطت من علو شاهق .
عندما انتهى ذاك اليوم، كانت أسراب من طيور اللقالق تعبر السماء، الجميع ينظر اليها، الا أنا فقد اتجهت نظراتي نحو مكان اخر  ... أتذكرين ...
-------------
وليد.ع.العايش
٢٨/٣/٢٠١٨ وليد.ع. العايش

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعني احبك كيفما اشاء بقلم ختام عمر

ليت أنفاس أيلول تدرك اني انتظرك. بقلم شبيلة مطر